وجواب آخر: وهو أنه لو كان النهي مطلقاً، ولم يكن فيه ما يقتضي الصحارى لكان عاماً، وأخبارنا تخصه، لأنها في البنيان فهي أولى.
وأيضاً فالذي رويناه متأخراً والمتأخر ينسخ المتقدم، لما روي عن جابر أن نبي الله ﷺ كان ينهانا عن استقبال القبلة لبول، ثم قال: رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها لبول.
فإن قيل: إن أبا أيوب هو الراوي عن النبي ﷺ وهو الذي ذهب إلى أن النهي وارد في البنيان، ألا ترى أنه لما رأى مراحيض الشام إلى القبيلة تحرف عنها.
قيل: يجوز أن يكون أبو أيوب إنما ذهب إلى ذلك؛ لأنَّه لم يعرف أخبار الإباحة.
فإن قيل: فإنَّه مستقبل بفرجه الكعبة من غير ضرورة فوجب ألا يجوز، دليله الصحراء.
وأيضاً فإن ما تعلق بحرمة الكعبة لا يفترق الحكم فيه من البنيان والصحارى، كاستقبال القبلة للصلاة، فإنَّه يجب فيها جميعاً.
وأيَاً فإنَّه ليس في البنيان أكثر من حصول حائل بينه وبين الكعبة، وهو الحائط والسترة، وهذا لا يمنع من وجود المنع منه، والنهي عنه، بدليل أن الصحارى تحول فيما بينه وبين الكعبة جبال وأبنية وحيطان وأشجار وغير ذلك، ثم كان المنع من استقبالها