وأيضا فإنه لا يكون للماء خصيصة من غيره من المائعات لو قيل فيه: ماء طاهر، فخص هذا الاسم الذي هو طهور ليبين به سائر الأشياء، ومن المائعات التي هي طاهرة غير مطهرة، ثم يستفاد به فائدة أخرى تزيد على كونه مطهرا، وهي المبالغة في تطهيره حتى إنه يتكرر من التطهير لغيره، كما قيل: رجل شكور وصبور، وسيف قتول، وهذا اسم موضوع لمن يتكرر منه الفعل، فحصل في طهور فائدتان: إحداهما: كونه مطهرا لغيره، والأخرى: تكرار ذلك منه.
فإن قيل: فقد حصلت في هذه ثلالثة ألفاظ طاهر وطهور ومطهر، فإذا جاز لكم أن تحملوا طهورا ومطهرا على معنى واحد.
قيل: إنما نحمل طاهرا على العموم في الماء وسائر الأشياء، ونحمل طهورا ومطهرا على أنهما يفعلان الطهارة في الغير، وتكون كل لفظة منها وإن كانت مشاركة لصاحبتها مرجحة على الأخرى. ففي اسم طهور مبالغة فوجب تكرار الفعل، وأنتم إذا حملتم طاهرا وطهورا على معنى واحد أسقطتم فائدة تطهيرة لغيره، وفائدة التكرار، ولم تجعلوا للماء مزية على غيره من الأشياء الطاهرة، ونحن نعلم أن الله - تعالى - قد خص الماء من بين غيره بقوله: ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾.
وجواب آخر: وهو أننا قد اتفقنا على أنه يجوز أن نسمي المطهر طهورا، فإذا وقع النزاع في لفظة، فقلتم: المراد طاهر، وقلنا نحن: المراد مطهر. فإنهما لا يتنافيان، فهو طاهر مطهر، وكل مطهر طاهر،