وليس كل طاهر مطهرا. ثم مع هذا فإن جميع ما أطلق في هذا الباب في الشرع إنما يقتضي المطهر للغير، فمن ذلك: قول النبي ﷺ: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، فأرد أن الأرض لي مطهرة ولم يرد أنها لي طاهرة، ولو كان كذلك لم يكن موضع فضيلة.
ومن ذلك: قوله ﵇ في البحر، وقد سئل عن التوضؤ بمائه:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، فخرج جوابه عما سئل عنه من الطهر به.
وأما ما ذكروه من قوله - تعالى -: ﴿وسقاهم ربهم شرابا طهورا﴾، وأنه ليس في الجنة عبادة، فنقول: إن الآية توجب أن يكون الشراب طاهرا في نفسه مطهرا لغيره، وليس إذا لم تكن على أهل الجنة عبادة ما يجب أن نسلب الماء صفته.
ثم إنه ينقلب عليهم في طاهر إن كان هذا معناه - عندهم -؛ لأنه إنما يقال: طاهر ونجس في موضع العبادة، فإذا لم تكن هناك عبادة وقد ذكر الطاهر جاز أن يخبر عن تطهيره لغيره وإن لم تكن هناك عبادة، وإنما أرد - تعالى - أن يخبرهم أن لهذا الشراب فضيلة تزيد على شراب الدنيا، وهو مما لو تعبدتكم بعبادة لجاز أن تتقربوا إلى باستعماله، كما أني في دار الدنيا جعلت للماء فضيلة على غيره، وهو أنه يطهركم، فكذلك لسائر أشربة الجنة فضيلة على سائر أشربة الدنيا.