فإن قيل: فإنه مائع طاهر فجاز إزالة النجاسة به أصله الماء.
وأيضا فإن الخمر إذا انقلبت خلا فقد طهرت هي والدن جميعا. ونحن نعلم أن الخمر كانت نجسة والدن نجس، ولم يطهره إلا الخل الذي انقلبت عينه من الخمر، فدل على أن الخل يزيل النجاسة.
وأيضا فإن الحكم إذا ثبت بمعنى زال بزوال ذلك المعنى. الدليل على ذلك الأصول كلها، فلما تقرر أن المنع من الصلاة كان لوجود عين النجاسة على البدن والثوب، وقد نفدت العين وعدمت المشاهدة إذا أزيلت بالخل فوجب أن يرتفع المنع منها.
قيل: أما القياس على الماء، فإن المعنى في الماء أنه يرفع الحدث، والمائعات سواه لا ترفع الحدث.
وما قالوه من نجاسة الدن وزوالها بالخل، فإننا نقول: إن الدن جامد كان طاهرا قبل حدوث الشدة في الخمر، وإنما حصل على وجهه أجزاء نجسة من الخمر، فإذا انقلبت الخمر خلا انقلبت تلك الأجزاء أيضا خلا، فلم تزل باخل أصلا، وإنما انقلبت كما انقلبت نفس الخمر، فوزان مسألتنا: أن تصيب الثوب نجاسة، فتنقلب عينها فتصر طاهرة، فنقول: إن هذا لا يحتاج إلى غسل.
ثم نقول: لو كان الدن إنما طهر بالخل على طريق الغسل لوجب أن لا يحكم بطهارته، ولا بطهارة ذلك الخل. ألا ترى أن إناء لو كان فيه بول أو دم فصب عليه الخل حتى ملأ الدن، فإن الخل ينجس ولا يطهر الإناء، فعلمنا أن الدن لم يطهر بكون الخل فيه، وإنما طهر بما ذكرناه. ويبين ذلك: أن الدن لو جرد حتى تنقلع منه تلك الأجزاء لحكمنا بطهارته؛ لأن الأجزاء النجسة زالت عنه.