هذا طرف من حديث كعب بن مالك الطويل في غزوة تبوك، وذكر الثلاثة المخلَّفين الذين أحدهم كعب بن مالك، وقد تضمن هذا الطرفُ المذكور من سياسته ﷺ في غزو العدو، وهو أنه إذا أراد غزو أحد من الكفار في ناحية من النواحي، ورَّى بأنه يريد غيرها، والمعنى أنه يقول كلامًا يوهم السامع أنه يريد ناحية غير تلك الناحية، كأن يسأل عن طريقها، أو مياهها، ليُعمِّي على العدو أنه يريدهم، ليأتيهم بغتة على غِرة، وذلك في حق من سبقت دعوتهم إلى الإسلام. والغرض من تلك السياسة قطع طمع من يريد التجسس على المسلمين، وإبلاغَ العدو خبر المسلمين، وقد فعل النبي ﷺ ذلك في غزوة الفتح، وأنكر على حاطب ﵁ ما وقع منه من إرسال كتاب لأهل مكة، لشبهة عرضت له، وقد غفر الله له.
وفي الحديث فوائد؛ منها:
١ - مشروعية غزو الكفار لإعلاء كلمة الله.
٢ - جواز غزو الكفار على غِرة، ممن ليس له عهد، وقد دُعوا إلى الإسلام.
٣ - أن السياسة الشرعية من الدين، ومن ذلك سياسة الجهاد في سبيل الله.
٤ - الرد على من يقول: إن الدين لا شأن له في السياسة، فيدعو إلى فصل الدين عن الدولة.
٥ - أن من سياسة الجهاد المكرَ بالعدو، ومنه التورية، لكن لا بالغدر والخيانة.
٦ - جواز التورية بالفعل والكلام للحاجة فيما لا ظلم فيه، ولا مخالفة شرعية، ومن ذلك ما جاء في حديث الهجرة في البخاري (١) أن أبا بكر كان إذا سئل: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، فيظنون أنه يدله الطريق، أي: الطريق الحسِّي، وهو يريد الطريق إلى الله.