للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لمَّا حاضت وهي محرمةٌ: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» (١)، وهو محتملٌ لذلك، واستدلَّ أيضًا في منع الجنب بقوله تعالى: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ [النِّسَاء: ٤٣]؛ أي: لا تقربوا مواضع الصَّلاة، وفسِّر (عابرو السَّبيل) بالمجتاز في المسجد غير لابثٍ فيه.

وفي الحديث فوائد؛ منها:

١ - أنَّ نفي الحلِّ يعبَّر به في نصوص الشَّرع عن التَّحريم؛ كقوله تعالى: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩].

٢ - أنَّ رسول الله يحلُّ ويحرِّم، وما أحلَّ وحرَّم فقد أحلَّه الله وحرَّمه، كما قال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ [النساء: ٨٠].

٣ - تحريم دخول المسجد واللُّبث فيه على الحائض والجنب، أمَّا دخولهما المسجد من غير لبثٍ فهو جائزٌ، كما دلَّ على ذلك السُّنَّة الصَّحيحة، وهو قوله لعائشة : «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ» فقالت: إنِّي حائضٌ، فقال: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» (٢)، وإذا كان هذا في الحائض فالجنب أولى، كما استدلَّ على ذلك -في حقِّ الجنب- بقوله تعالى: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ [النساء: ٤٣]، كما تقدَّم.

واختلف العلماء في لبث الحائض والجنب في المسجد، فذهب الجمهور إلى التَّحريم مطلقًا، وذهب الإمام أحمد في المشهور إلى جوازه بعد الوضوء؛ لما جاء أنَّ أصحاب النَّبيِّ كانوا يجلسون في المسجد وهم جنبٌ إذا توضَّؤوا (٣).


(١) البخاري (٣٠٥)، ومسلم (١٢١١). وسيأتي (١٦٢).
(٢) رواه مسلم (٢٩٨).
(٣) عزاه ابن كثير إلى أحمد وسعيد بن منصور في «سننه»، وصحح إسناده، وقال: «على شرط مسلم». «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>