للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد كان من فضل الله عليَّ وفضله عليَّ عظيم- أن حبب إليَّ طلب العلم، ويسَّر لي ملازمة هذا العالم الجليل، الذي فتح لي صدره قبل بيته، إذْ أقامني من نفسه مقام أعز أصفيائه، بل مقام أبنائه، وغمرني بكرمه، وجاد عليَّ بعلمه؛ وذلك من أعلى الجود (١)؛ فلا عليَّ بعد هذا أن أخاطبه -أعزه الله- بقول الأول:

بِكَ اهْتَزَّ غُصْنِي فِي رِيَاضِكَ مُثْمِرًا … وَرَاقَتْ لِيَ الدُّنْيَا وَرَاقَ نَظِيرُهَا

أحسن الله إليه، وجزاه أعظم ما جزى شيخًا عن تلاميذه.

وإن أحب الساعات إلى قلبي -بعد عبادة الله تعالى- ساعة أجلس فيها إلى هذا العالم الرباني، فأنهل من حياضه، وأطوف في رياضه، وأتفقه بفقهه، وأتأدب بأدبه، ولا تجد أحسن من حديثه إذا تكلم؛ حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع:

لَقَدْ كَانَ لِي رَوْضَةً عَذْبَةً … مَوَارِدُهَا فِي فَمِ الصَّادِرِ

أُقَلِّبُ طَرْفِي بِأَرْجَائِها … فَيَرْتَعُ فِي مُونِقٍ زَاهِرِ

نفعنا الله بعلمه، وثاقب فهمه، وثبتنا وإياه على صراطه المستقيم، ودينه القويم.

لقد طلبت من شيخنا أنْ أقرأ عليه «بلوغ المرام»؛ ليُتْحفني بالفوائد والأحكام التي تضمنتها أحاديثه؛ فإنها الغاية التي يسعى إليها دارسو الكتاب من المتعلمين والطلاب، وهي أصل العلم وقاعدته، فأجابني إلى ذلك، وتبسَّط في الكشف عن مقاصد الأحاديث وفوائدها وأحكامها الفقهية والسلوكية وغيرها، في درس لم يحضره غيري، ولا سمعه سواي، وشرعت أكتب كلامه كله لنفسي، لما أعلم ويعلم غيري من غزارة علم الشيخ، وحسن فهمه، ودقة استنباطه، ومتانة اختياراته، وجميل عباراته؛ فهي - ولا غرو - أنقى من الراحة،


(١) ينظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>