للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِحْدَاهُمَا: المسافة الَّتي تقصر فيها الصَّلاة، وقد اختلف النَّاس في ذلك اختلافًا كثيرًا:

فذهب الجمهور إلى أنَّ الصَّلاة لا تقصر في أقلَّ من أربعة بردٍ، (وهي ثمانيةٌ وأربعون ميلاً؛ وهي ثمانون كيلو تقريبًا)؛ كما جاء عن ابن عبَّاسٍ ، وسيذكره المؤلِّف (١).

وذهبت الظَّاهريَّة إلى جواز القصر في ثلاثة أميالٍ؛ وهي من الكيلوات خمسةٌ؛ استدلالاً بحديث أنسٍ .

وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنَّه لا تقدير لمسافة القصر، بل يجوز القصر في كلِّ سفرٍ، طالت المسافة أو قصرت؛ كما يدلُّ لذلك حديث عائشة في أوَّل الباب «فأُقرَّت صلاة السَّفر» (٢).

وما ذهب إليه الجمهور من تقدير المسافة بأربعة بردٍ أضبط في التَّمييز بين ما تقصر فيه الصَّلاة وما لا تقصر، ومن يعلِّق جواز القصر على مطلق السَّفر ولا يحدُّ في ذلك مسافةً أقرب إلى ظاهر الأدلَّة، ولكن يشكل عليه اختلاف النَّاس في مصطلح السَّفر؛ فلا بدَّ من ضابطٍ؛ فقيل: إنَّه ما يحتاج النَّاس فيه إلى زادٍ ومزادٍ، وهذا أيضًا يختلف باختلاف وسائل السَّفر؛ ففي هذا العصر لا يحتاج المسافر بالطَّائرة والسَّيَّارة في كثيرٍ من الأحيان إلى حمل زادٍ، بل قد لا يحتاج مدَّة سفره إلى طعامٍ وشرابٍ؛ لقصر مدَّة رحلته، فلا بدَّ من ربط هذا الضَّابط بالسَّفر على الوسائل القديمة، ولهذا يختلف النَّاس في هذا العصر في مسمَّى السَّفر؛ فلا يسمُّون سفرًا إلَّا ما كان إلى بلادٍ بعيدةٍ، أو قريبةٍ يطول مكثه بها.

وبهذا يتبيَّن أنَّ ما ذهب إليه الجمهور أبعد عن الإشكال، ولو قيل بالعمل بالرَّأيين فيقال: يجوز القصر في كلِّ ما يسمِّيه النَّاس سفرًا؛ ولو لم يبلغ أربعة بردٍ، ولكلِّ من قصد أربعة بردٍ فصاعدًا؛ ولو لم يسمَّ سفرًا لكان له وجهٌ. والله أعلم.


(١) سيأتي برقم (٥٠٤).
(٢) تقدَّم برقم (٤٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>