هذه الأحاديث اشتملت على ما يجوز وما لا يجوز من البكاء على الميِّت.
وفيها فوائد، منها:
١ - تحريم النِّياحة، وأنَّها من كبائر الذُّنوب؛ لما ذكر من لعن النَّائحة، والنِّياحة: رفع الصَّوت بالبكاء. والنَّدب: دعاء النَّائحة الميِّت وتعداد محاسنه.
٢ - أنَّ المستمعة للنِّياحة في حكم النَّائحة، وشريكتها في اللَّعن.
٣ - أنَّ حضور المنكر من غير إنكارٍ مع القدرة يقتضي الرِّضا به.
٤ - أنَّ أكثر ما تكون النِّياحة من النِّساء.
٥ - أخذ النَّبيِّ ﷺ العهد من النِّساء بترك النِّياحة.
٦ - تعظيم أمر النِّياحة بتغليظ الزَّجر عنها.
٧ - جواز البكاء على الميِّت من غير نياحةٍ ولا ندبٍ.
٨ - أنَّ الإنسان لا يعذَّب بحزن القلب ولا دمع العين، وأنَّ الميِّت لا يعذَّب بذلك.
٩ - ما كان عليه النَّبيُّ ﷺ من الرَّحمة، وابنته ﵂ الميِّتة يحتمل أن تكون زينب زوجة العاص بن الرَّبيع أو إحدى زوجتي عثمان ﵁؛ رقيَّة وأمِّ كلثومٍ ﵃. والله أعلم.
وأمَّا حديث عمر ﵁:«الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» وفي لفظٍ: «بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»(١). فقد تقدَّم حكم النِّياحة وحكم البكاء الجائز، والبكاء المحرَّم هو المذكور في هذا الحديث، وهو النِّياحة. وأمَّا البكاء الجائز فلا يقتضي إثمًا ولا عذابًا على الباكي فضلاً عن الميِّت. وأمَّا النِّياحة فهي من كبائر الذُّنوب، وإثمها على النَّائحة ولا إثم على الميِّت؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]، ولهذا ردَّت أمُّ المؤمنين عائشة ﵂ على ابن عمر ﵃ هذا الحديث؛ محتجَّةً بهذه الآية، وقال أئمَّة العلم: الصَّواب مع ابن عمر ﵃، وأثبتوا ما روى، وفسَّروه بوجوهٍ: