٢ - وذهب الجمهور من العلماء إلى عدم النَّقض بلحم الإبل، فلا يجب الوضوء منه، وتأوَّلوا الحكم في الحديثين أنَّه من قبيل الوضوء ممَّا مسَّت النَّار، وهو منسوخٌ بحديث جابرٍ ﵁ قال:«كان آخِرَ الأمرَيْنِ مِنْ رسولِ اللهِ ﷺ تَرْكُ الوضوءِ ممَّا مسَّتِ النَّارُ»(١).
والصَّحيح في هذه المسألة: أنَّ المنسوخ هو وجوب الوضوء ممَّا مسَّت النَّار.
٣ - وجوب الوضوء من لحم الإبل سواءٌ أكان نيئًا أم مطبوخًا للإطلاق في الحديث، وبهذا يردُّ على من حمله على ما مسَّته النَّار.
٤ - أنَّ الشَّحم والكرش كاللَّحم في نقض الوضوء؛ لأنَّه يعبَّر باللَّحم إذا أضيف إلى الحيوان عن جميع أجزائه، كما قال تعالى: ﴿وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، وأكثر القائلين بوجوب الوضوء خصُّوه باللَّحم دون سائر الأجزاء، والأوَّل أظهر.
واعلم أنَّ القائلين بوجوب الوضوء من لحم الإبل اختلفوا في مرق لحمها وألبانها، والأحوط الوضوء منهما.
٥ - أنَّه لا يجب الوضوء من سائر اللُّحوم؛ لقوله في الحديث:«إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ»، وهذا يدلُّ على فساد حمل الحديث على ما مسَّت النَّار؛ لأنَّه لو كان الأمر كذلك لما فرَّق بين الإبل والغنم.
٦ - أنَّ في لحم الإبل ما يقتضي الوضوء منه دون لحم الغنم؛ لأنَّ الشَّريعة لا تفرِّق بين المتماثلات، وقد قيل في حكمة الوضوء من لحم الإبل: إنَّها شرسة الأخلاق ففيها شيطنةٌ، وجاءت آثارٌ تشير إلى ذلك. ويشهد للفرق
(١) رواه أبو داود (١٩٢)، والنسائي (١٨٥) وصححه ابن الملقن في «البدر المنير» (٢/ ٤١٢)، وحسَّنه ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (٢/ ٢٧٣).