أورد في الباب الأخير حديثًا (رقم ٣٣٩)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ ارزُق مَن أبْغَضَنِي وَأهْلَ بَيْتِي كَثرَةَ المالِ والعِيَالِ، كَفَاهُم بذلك أنْ يَكثُرَ مَالُهُم فيَطُولَ حِسَابُهُمْ، وأنْ تكْثُرَ عِيَالُهُمْ فَيَكْثُرَ شَياطِينُهُمْ".
ففي هذا الحديث يدعو النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على مَنْ أبغضه وأهل بيته بأن يُكثر الله ماله وعياله!
ومعلوم أنَّ كثرة المال والعيال مما يُنْعم الله به على العبد في الغالب، لا سيما إذا علمتَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- دعا لخادمه أنس بن مالك رضي الله عنه كما في "صحيح مسلم"(١)، بقوله:"اللَّهُمَّ أكْثِر مالَه وولَدَه، وباركْ له فيه" ... وهذا مما يُشكل على الحديث الأول.
وقد أجاب المؤلف عن ذلك بإشارته إلى تضعيف الرِّواية الأولى، ثم أحال القارئ إلى كتابه:"السِّرِّ المكتومُ في الفرق بين المالين المحمود والمذموم"، وهذا نصُّ عبارته:
" ... وقد بيَّنتُ على تقدير ثبوته -مع إيراد نحوه من الأحاديث- الجَمْعَ بينها وبين دعائه -صلى الله عليه وسلم لخادمه سيِّدنا أنس رضي الله عنه بكثرة المال والولد في كتابي (السرِّ المكتُوم في الفَرْق بين الماليْن المحمود والمذموم) ".
ولإِتمام الفائدة فإني سأذكر وجه الجمع بين الحديثين، وهو ما أشار إليه السَّمْهوديُّ في "جواهر العقدين"(ص ٣٤٥)، و"الجوهر الشَّفَّاف"(ق ٩٥ / ب)، بقوله:"قلت: ولمَّا كان الحامل على بُغْضهم الميل إلى الدُّنيا لِمَا جُبلوا عليه من حبِّ المال والوالد دعا عليهم بتكثير ذلك، لكن مع سَلبهم نعمته، فلا يكون ذلك إلَّا نقمةً عليهم لكفرانهم نعمةَ مَنْ هُدوا على يديه إيثارًا للدُّنيا، بخلاف مَنْ دعا صلَّى الله عليه وآله وسلم بتكثير المال والولد كأنس رضي الله عنه، إذ القصد به كون ذلك نعمةً عليه فيتوصَّل به إلى ما جعل ذلك له من الأمور الأُخروية والدُّنيوية النافعة". اهـ.
سادسًا: تبيَّن من خلال دراسة الكتاب، أنَّ من طريقته فالة القضايا الفقهية المتعلِّقة بموضوعه، مع نقله في تلك المسائل نصوصًا عن الفقهاء الأعلام، تدلُّ على سعة اطِّلاعه، وتمكُّنه من الفقه:
(١) (٤/ ١٩٢٩) - رقم (٢٤٨١)، كتاب فضائل الصحابة -، بابٌ من فضائل أنس بن مالك، من طريق سليمان، عن ثابت البناني، عنه رضي الله عنه.