وهذا الأمر أثار حفيظة العبّاسيين قاطبة، فنقموا على المأمون، ومن ثمَّ خلعوه في بغداد وبايعوا إبراهيم بن المهدي بالخلافة، ولقَّبوه بـ "المبارك"، وذلك في المحرم سنة (٢٠٢ هـ). وفي صفر من سنة (٢٠٣ هـ) مات علي بن موسى الرضا فجأة! وصلَّى عليه المأمون، وأسف عليه أسفًا كثيرًا، فكتب إلى بني العباس يقول لهم: "إنكم إنما نقمتم عليَّ بسبب توليتي العهد من بعدي لعلي بن موسى الرضا، وها هو قد مات؛ فارجعوا إلى السَّمع والطاعة". انظر: "البداية والنهاية" (١٠/ ٢٥٨ وما بعدها) - حوادث سنة (٢٠١ هـ - ٢٠٢ هـ - ٢٠٣ هـ). وراجع في حديث إسماعيل بن أبان الغنوي: "الموضوعات" (٣/ ٢٧٦)، و"تاريخ بغداد" (٦/ ٢٤١)، و"اللآلئ المصنوعة" (١/ ٤٣٥)، و"تنزيه الشريعة" (٢/ ١١). (١) كان ذلك في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور رحمه الله تعالى، فهو الذي ألزم الناس بذلك. قال أبو الحسن الحذُّاء كما في "السِّير" (٦/ ٢٢٠): "ألزم أبو جعفر المنصور الناسَ بالسَّواد، فكنت أرى بعضهم يصبغ بالمداد". قلتُ: كان ذلك في سنة (١٥٣ هـ)، كما ذكره ابن كثير في حوادث السنة المشار إليها (١٠/ ١١٣): "وفيها ألزم المنصورُ الناسَ بلبس قلانس سُود طوال جدًّا، حتى كانوا يستعينون على رفعها من داخلها بالقضب، فقال أبو دلامة الشاعر في ذلك: وكنَّا نُرَجِّي من إمام زيادة ... فزاد الإِمام المرتجى في القلانس تراها على هامِ الرِّجالِ كأنَّها ... دِنانُ يهُودٍ جُلِّلت بالبرانسِ". اهـ قلتُ: ولعلَّ ذلك كان بمشورة أبي مسلم الخراساني مُوَطِّد مُلْك بني العبَّاس، فقد كان يعتبر السَّواد ثياب الهيبة، وثياب الدولة. قال الذهبي في "السِّير" (٦/ ٥١): "كان أبو مسلم سفَّاكًا للدِّماء، يزيد على الحجَّاج في ذلك. وهو أول مَنْ سنَّ للدَّولة لبس السَّواد". وللاستزادة انظر: "الأوائل" لأبي هلال العسكري (ص ١٧٧ - ١٧٨). وقد ألَّف السُّيوطيُّ رسالةً سمَّاها: "ثلْج الفؤاد في أحاديث لُبْس السَّواد"، جمع فيها الأحاديث الواردة عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في هذا الشأن. وهي مطبوعة ضمن "الحاوي للفتاوي" (١/ ٧٦ - ٧٨). (٢) لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالبياض من الثياب، فلْيَلْبَسها أحياؤكم، وكفِّنوا فيها موتاكم؛ فإنها من خير ثيابكم". =