ومن فضل حسن الخط، أن يدعوا الناظر إليه إلى أن يقراه وإن اشتمل على لفظ مرذول ومعنى مجهول.
وربما اشتمل الخط القبيح، على بلاغة وبيان، وفوائد مستظرفة، فيرغب الناظر عن الفائدة التي هو محتاج إليها لوحشة الخط وقبحه.
حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: كان مشايخ الكتاب وزهاد العمال يختارون أن يكون ما يرفعونه عن جماعاتهم، إلى دواوين السلطان بخط غير جيد، ومداد غير حالك، في صحف مظلمة، ليثقل على من يرد عليه من المتصفحين فيعدل عنها إلى غيرها مما لا يتعبه.
وزعم صاحب المنطق أن الأشياء مجودة في أربعة مواضع:
في الأشياء ذوات المعاني في أنفسها، وفي العقول، والقول، والخط. وإن الحظ دليل على ما في النفوس، وما في دليل على ما في الأشياء ذوات المعاني، وما في الأشياء ذوات المعاني مدلول عليه. وإن اثنين من هذه الأربعة طبيعيان، وهما الأشياء ذوات المعاني وما في النفوس لا يتغيران. واثنان وضعيان، يتغيران بتغير اللغات والبلدان، وهما القول والخط. ومثال ذلك أن الذي في الجسمين، من التدوير والتربيع، موجود فيهما إذا نظر إليهما ناظر، انطبعت صورتهما في نفسهما، فصارا موجودين في موضعين، وإذا أراد أن يخبر غيره عما وجده، احتاج إلى التعبير عما في نفسه باللفظ، فيكون اللفظ دالاً على ما في النفس، وإن كان المخبر حاضراً شافهه، وإن كان غائباً أداه إليه بالخط.
واللفظ والخط من هذا الوجه ضروريان، لابد منهما في العبارة. ولو شاء قائل أن يفضل الخط على اللفظ، في هذه الحال،