من قول صاحب المنطق، لقال: فالخط أتم من اللفظ فائدة، لأنه قد بلغ مبلغ المنطق، إذ كنا قد نناجي الحاضر بهما جميعاً، فنفهمه بكل واحد منهما، مثل ما نفهمه بالآخر، ولا نستطيع إفهام الغائب إلا بالخط، فللخط فائدتان من هذه الجهة، وليس للفظ إلا فائدة واحدة.
فإن قال معترض: فكيف يتهيأ أن يفهم الأعمى والأمي الخط؟ قيل له: ذلك من نقصان آلة، لا من نقصان آلتهما، الخط، وإنما قولنا على تمام الآلة وأصل البنية الصحيحة، والعمى عرض دخل على الطبيعة وليس بأصل فيها، والأمي ممكن أن يتعلم الخط، فالنقيصة فيه عن علمه من ميله. وقد رأينا الشديد الصمم لا يفهم إلا بالخط.
ومن أحسن ما فضل به كلام المخاطب على الخط قول جالينوس " الكتاب كلام ميت، يتناوله قارئه كيف شاء، وكلام المخاطب حي، يمكن صاحبه أن يبصره حتى يبلغ به غرضه ".
ومن الأعجوبة في الخطوط كثرة اختلافها والأصول واحدة كاختلاف شخوص الناس مع اجتماعهم في الصنعة، حتى إن خط الإنسان يصير كحليته ونعته في الدلالة عليه، واللزوم له والإضافة إليه، حتى يقضي به الكاتب له وعليه.
وقد عجبت من بعض الكتاب قال: ادعى رجل من إلحاق الأنساب بالآثار والأشباه، فقال له القائف: أعجب والله من هذا ما يبلغنا من تمييزهم الخطوط وإلحاق كل خط بصاحبه أو ما ترى العازم على خيانة أو دفع حق، بغير خطه حتى إذا جحد لم ينسب عليه.