فيل صعب، وسابح في بحر قد جف ". ومع ذلك فإن الأتباع إذا أحسوا من الرؤساء بتفويض إليهم، على قلة علم منهم، واضطرار إلى كفاءتهم، ولم يحس الأتباع منهم حسن مجازاة على جميل إفادتهم، سوء مكافأة على قبيح أفعالهم، حتى يستوي عندهم محسنهم، ومسيئهم وخائنهم وأمنهم، وكافئهم وعاجزهم؛ انتقل الأمين عن مر الوفاء إلى حلاوة الخيانة، وازداد الخائن بصيرة فآثر الإضرار، وقصر الكافي عن إتعاب النفس وكد الانتصاح؛ فقد يرى الأمين صنيعة فيخون، ويرى الخائن جرماً فيعف، فيضطرب عند ذلك الحبل، وينشر الأمر، وتنعكس مساوئ قوم محاسن آخرين.
قال أبو بكر: وإنما ذكرت هذا الفصل، لأرغب أهل هذه الصناعة الشريفة، في الإقبال عليها، وإنفاق بعض العمر في طلبها، فإنها من أجل ما كد فيه الفكر، وقطعت به الأيام. وقد استعمل اللفظة التي حكيتها - أعني إنفاق بعض العمر - شاعر من الأزد فقال:
هزئت عميرة إذ رأت ظهري انحنى ... وذؤابي علت بماء خضاب
لا تهزئي مني عمير فإنني ... أنفقت فيكم شرتي وشبابي