بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ هَذَا فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ مِنْهَا جَوَازُ النِّسْيَانِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعِبَادَاتِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا ادَّعَى شَيْئًا جَرَى بِحَضْرَةِ جَمْعٍ كَثِيرٍ لا يخفى عَلَيْهِمْ سَئَلُوا عَنْهُ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَمِنْهَا إِثْبَاتُ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ سَجْدَتَانِ وَأَنَّهُ يُكَبِّرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا عَلَى هَيْئَةِ سُجُودِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ السُّجُودَ فَلَوْ خَالَفَ الْمُعْتَادَ لَبَيَّنَهُ وَأَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ لَا تَشَهُّدَ لَهُ وَأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ سُجُودِ السَّهْوِ كَانَ نِسْيَانًا لَا عَمْدًا وَمِنْهَا أَنَّ كَلَامَ النَّاسِي لِلصَّلَاةِ وَالَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُبْطِلُهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ والخلف وهو قول بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَخِيهِ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ نَاسِيًا أو جاهلا لحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَزَعَمُوا أَنَّ حَدِيثَ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالُوا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَنَقَلُوا عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَّ قَضَيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ قَالُوا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَرْوِي مَا لَا يَحْضُرُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَحَابِيٍّ آخَرَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ صَحِيحَةٍ حَسَنَةٍ مَشْهُورَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَتْقَنُهَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ أَمَّا ادِّعَاؤُهُمْ أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّ حديث بن مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ حِينَ رَجَعَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ أَنَّهُ قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هريرة وأما قولهم إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ شُهُودُهُ لَهَا مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ ثُمَّ ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute