حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُ الْحَجَرُ الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامُ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ وَمَشْيُ إِحْدَى الشَّجَرَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى حِينَ دَعَاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ
(بَاب تَفْضِيلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[٢٢٧٨] (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) قَالَ الْهَرَوِيُّ السَّيِّدُ هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْخَيْرِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِبِ وَالشَّدَائِدِ فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِهَهُمْ وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَنَّهُ سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَبَبُ التَّقْيِيدِ أَنَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَظْهَرُ سؤدده لكل أحد ولا يبقى مناع وَلَا مُعَانِدٌ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّارِ وَزُعَمَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا التَّقْيِيدُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ مَعَ أَنَّ الْمُلْكَ لَهُ سُبْحَانَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَكِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مَنْ يَدَّعِي الْمُلْكَ أَوْ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مَجَازًا فَانْقَطَعَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْرِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا امْتِثَالُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ ربك فحدث وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنَ الْبَيَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ إِلَى أُمَّتِهِ لِيَعْرِفُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فَجَوَابُهُ مِنْ خمسة أوجه أحدهما أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute