رَفَعَهُ اللَّهُ) فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَرْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَيُثْبِتُ لَهُ بِتَوَاضُعِهِ فِي الْقُلُوبِ مَنْزِلَةً وَيَرْفَعُهُ اللَّهُ عِنْدَ النَّاسِ وَيُجِلُّ مَكَانَهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ وَرَفْعُهُ فِيهَا بِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَادَةِ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِي جَمِيعِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[٢٥٨٩] (الْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ) يُقَالُ بَهَتَهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ مُخَفَّفَةٍ قُلْتُ فِيهِ الْبُهْتَانِ وَهُوَ الباطل والغيبة ذِكْرُ الْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ وَأَصْلُ الْبَهْتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْبَاطِلُ فِي وَجْهِهِ وَهُمَا حَرَامَانِ لَكِنْ تُبَاحُ الْغِيبَةُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ أَحَدُهَا التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَوْ فَعَلَ بِي كَذَا الثَّانِي الِاسْتِغَاثَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَابِ فَيَقُولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ الثَّالِثُ الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَوْ أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ زَوْجِي بِكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ وَدَفْعِ ظُلْمِهِ عَنِّي وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ فِي رَجُلٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ جَائِزٌ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَوْلِهَا إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ الرَّابِعُ تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا جَرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنِّفِينَ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ بِعَيْبِهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ فِي مواصلته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute