صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَخْوَفُنِي بِنُونٍ بَعْدَ الْفَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِحَذْفِ النُّونِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ فَأَمَّا لَفْظُهُ لِكَوْنِهِ تَضَمَّنَ مَا لَا يُعْتَادُ مِنْ إِضَافَةِ أَخْوَفِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مَقْرُونَةٌ بِنُونِ الْوِقَايَةِ وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ الْأَصْلُ إِثْبَاتَهَا وَلَكِنَّهُ أَصْلٌ مَتْرُوكٌ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي قَلِيلٍ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْهَا مَا أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ ... فَمَا أَدْرِي فَظَنِّي كُلُّ ظَنٍّ ... أَمُسْلِمَتِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي ...
(يَعْنِي شَرَاحِيلَ فَرَخَّمَهُ فِي غَيْرِ النِّدَا لِلضَّرُورَةِ وَأَنْشَدَ غَيْرُهُ ... وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي لِيَرْفِدَ خَائِبًا ... فَإِنَّ لَهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلَا)
وَلِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ أَيْضًا شَبَهٌ بِالْفِعْلِ وَخُصُوصًا بِفِعْلِ التَّعَجُّبِ فَجَازَ أَنْ تَلْحَقُهُ النُّونُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا لَحِقَتْ فِي الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ النُّونِ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَخْوَفُ لِي فَأُبْدِلَتِ النُّونُ مِنَ اللَّامِ كَمَا أُبْدِلَتْ فِي لِعَنْ وَعَنْ بِمَعْنَى لَعَلَّ وَعَلَّ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَتَقْدِيرُهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مُخُوفَاتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ إِلَى الْيَاءِ وَمِنْهُ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ وَالثَّانِي بِأَنْ يَكُونَ أَخْوَفُ مِنْ أَخَافَ بِمَعْنَى خَوْفٍ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَشَدُّ مُوجِبَاتِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمَعَانِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ شِعْرُ شَاعِرٍ وَخَوْفُ فُلَانٍ أَخْوَفُ مِنْ خَوْفِكَ وَتَقْدِيرُهُ خَوْفُ غَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ خَوْفِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ الْأَوَّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute