(بَاب بُطْلَانِ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ غَرَرٌ)
نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ أَمَّا بَيْعُ الْحَصَاةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِيَ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بِالْحَصَاةِ بَيْعًا فَيَقُولَ إِذَا رَمَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ مُسْلِمٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَبَيْعِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَبَيْعِ بَعْضِ الصُّبْرَةِ مُبْهَمًا وَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابٍ وَشَاةٍ مِنْ شِيَاهٍ وَنَظَائِرَ ذَلِكَ وَكُلُّ هَذَا بَيْعُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضُ الْغَرَرِ بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاةَ الْحَامِلَ وَالَّتِي في ضرعها لبن فإنه يصح للبيع لِأَنَّ الْأَسَاسَ تَابِعٌ لِلظَّاهِرِ مِنَ الدَّارِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَرٌ حَقِيرٌ مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بِيعَ حَشْوُهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِمُ الْمَاءَ وَفِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنَ السِّقَاءِ بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَةِ قَدْرِ الْمَشْرُوبِ وَاخْتِلَافِ عَادَةِ الشَّارِبِينَ وَعَكْسِ هَذَا وَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى ما ذكرناه وهو أنه إِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَكَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَمَا وَقَعَ في بعض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute