للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتُلِمَ الْيَمَانِيَانِ لِبَقَائِهِمَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّ الْعِرَاقِيَّ مِنَ الْيَمَانِيَيْنِ اخْتُصَّ بِفَضِيلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فَاخْتُصَّ لِذَلِكَ مَعَ الِاسْتِلَامِ بِتَقْبِيلِهِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْيَمَانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءُ الْيَوْمَ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ لَا يُسْتَلَمَانِ وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ ثُمَّ ذَهَبَ وَقَوْلُهُ (وَرَأَيْتُكَ تلبس النعال السبتية) وقال بن عُمَرَ فِي جَوَابِهِ (وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسُهَا) فَقَوْلُهُ أَلْبَسُ وَتَلْبَسُ كُلُّهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَمَّا السِّبْتِيَّةُ فَبِكَسْرِ السين واسكان الباء الموحدة وقد اشار بن عُمَرَ إِلَى تَفْسِيرِهَا بِقَوْلِهِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْغَرِيبِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ إِنَّهَا الَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا قَالُوا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّبْتِ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَالْإِزَالَةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ سَبَتَ رَأْسَهُ أَيْ حَلَقَهُ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا انْسَبَتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ لَانَتْ يُقَالُ رَطْبَةٌ مُنْسَبِتَةٌ أَيْ لَيِّنَةٌ قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ السِّبْتُ كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ السِّبْتُ جُلُودُ الْبَقَرِ مَدْبُوغَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ وَقِيلَ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الدِّبَاغِ يقلع الشعر وقال بن وَهْبٍ النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ كَانَتْ سُودًا لَا شَعْرَ فيها قال القاضي وهذا ظاهر كلام بن عُمَرَ فِي قَوْلِهِ النِّعَالُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شعر قال وهذا لَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ فَقَدْ تَكُونُ سُودًا مَدْبُوغَةً بِالْقَرَظِ لَا شَعْرَ فِيهَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَدْبُوغَاتِ يَبْقَى شَعْرُهَا وَبَعْضَهَا لَا يَبْقَى قَالَ وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ لِبَاسَ النِّعَالِ بِشَعْرِهَا غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ وَكَانَتِ الْمَدْبُوغَةُ تُعْمَلُ بِالطَّائِفِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَلْبَسُهَا أَهْلُ الرَّفَاهِيَةِ كَمَا قَالَ شَاعِرُهُمْ ... تَحْذِي نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْءَمٍ ...

(قَالَ الْقَاضِي وَالسِّينُ فِي جَمِيعِ هَذَا مَكْسُورَةٌ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُهَا وَإِضَافَتُهَا إِلَى السِّبْتِ الَّذِي هُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ أَوْ إِلَى الدِّبَاغَةِ لِأَنَّ السِّينَ مَكْسُورَةٌ فِي نِسْبَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ السَّبْتِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَكَانَتِ النِّسْبَةُ سَبْتِيَّةٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَلَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلَا فِي الشِّعْرِ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا بِالْكَسْرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ (وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا) مَعْنَاهُ يَتَوَضَّأُ وَيَلْبَسُهَا وَرِجْلَاهُ رَطْبَتَانِ قَوْلُهُ (ورأيتك تصبغ بالصفرة وقال بن عُمَرَ فِي جَوَابِهِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا) فَقَوْلُهُ يَصْبُغُ وَأَصْبُغُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَبْغُ الشَّعْرِ وَقِيلَ صبغ الثوب)

<<  <  ج: ص:  >  >>