فَلَا تُحَتَّمُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بَلْ هُوَ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ فَإِذَا أَلْهَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ اسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ شَاءَ الْمَغْفِرَةَ لَهُ وَبِهَذَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الثَّنَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَبَتْ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ) وَلَوْ كَانَ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُ تَقْتَضِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلثَّنَاءِ فَائِدَةٌ وَقَدْ أَثْبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَائِدَةً فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ مُكِّنُوا بِالثَّنَاءِ بِالشَّرِّ مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ هُوَ فِي غَيْرِ الْمُنَافِقِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَفِي غَيْرِ الْمُتَظَاهِرِ بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بِشَرٍّ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ وَمِنَ الِاقْتِدَاءِ بِآثَارِهِمْ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا كَانَ مَشْهُورًا بِنِفَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ مما ذكرنا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ السَّبِّ وَقَدْ بَسَطْتُ مَعْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ (فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الثَّنَاءُ بِتَقْدِيمِ الثَّاءِ وَبِالْمَدِّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ لُغَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ أَيْضًا وَأَمَّا النَّثَا بِتَقْدِيمِ النُّونِ وَبِالْقَصْرِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ الثَّنَاءُ الْمَمْدُودُ هُنَا فِي الشَّرِّ مَجَازًا لِتَجَانُسِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وجزاء سيئة سيئة ومكروا ومكر الله قَوْلُهُ (فِدًى لَكَ) مَقْصُورٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا
[٩٥٠] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَالْفَاجِرَ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَوْتَى قِسْمَانِ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ وَنَصَبُ الدُّنْيَا تَعَبُهَا وَأَمَّا اسْتِرَاحَةُ العباد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute