للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءُ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ضَبَطُوا سَحَّاءُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سَحَّاءٌ بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهُرُ وَالثَّانِي حَكَاهُ الْقَاضِي سَحَّاءُ بِالْمَدِّ عَلَى الْوَصْفِ وَوَزْنُهُ فَعَلَاءُ صِفَةٌ لِلْيَدِ وَالسَّحُّ الصَّبُّ الدَّائِمُ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِ وَمَعْنَى لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ أَيْ لَا يَنْقُصُهَا يُقَالُ غَاضَ الْمَاءُ وَغَاضَهُ اللَّهُ لَازِمٌ ومعتد قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ هَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمُنَاسِبَةِ لِلشِّمَالِ لَا يُوصَفُ بِهَا الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ الشِّمَالِ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ التَّحْدِيدَ وَيَتَقَدَّسُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ التَّجْسِيمِ وَالْحَدِّ وَإِنَّمَا خَاطَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْقُصُهُ الْإِنْفَاقُ وَلَا يُمْسِكُ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ جَلَّ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَعَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَوَالِي النِّعَمِ بِسَحِّ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْبَاذِلَ مِنَّا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَأَنَّ الْمَقْدُورَاتِ تَقَعُ بِهَا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تَخْتَلِفُ قُوَّةً وَضَعْفًا كَمَا يَخْتَلِفُ فِعْلُنَا بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَمُشَابَهَةِ الْمُحْدَثِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرواية الثَّانِيَةِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ قُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِهَا الْمُخْتَلِفَاتِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِينَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِيَدَيْنِ عَبَّرَ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِالْيَدَيْنِ لِيُفْهِمَهُمُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِمَا اعْتَادُوهُ مِنَ الْخِطَابِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ (لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ نَصْبُ اللَّيْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>