الْأَوْجُهِ فِي تَأْوِيلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذَا مُتَأَوَّلٌ رَجَعَ عَنْهُ وَكَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ لِأَنَّهُمَا أَعْلَمُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالْمُبَاشَرَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسود من الفجر وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وابتغوا ما كتب الله لكم وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا جَازَ الْجِمَاعُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا وَيَصِحَّ صومه لقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل وَإِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَجَبَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ الْفَضْلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ إِرْشَادٌ إِلَى الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَوْ خَالَفَ جَازَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجَوَابُهُمْ عَنِ الْحَدِيثِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَفْضَلَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيَانَ لِلنَّاسِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ وَهَذَا كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَطَافَ عَلَى الْبَعِيرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوَافَ سَاعِيًا أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي تَكَرَّرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَالِمًا فَإِنَّهُ يفطر ولا صوم له والثالث جواب بن الْمُنْذِرِ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حِينَ كَانَ الْجِمَاعُ مُحَرَّمًا فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا كَانَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ مُحَرَّمًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ يُفْتِي بِمَا عَلِمَهُ حَتَّى بَلَغَهُ النَّاسِخُ فرجع إليه قال بن الْمُنْذِرِ هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ الِاحْتِلَامِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute