إِنَّ الْكَفَّارَةَ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهِ بَلْ أَذِنَ لَهُ فِي إِطْعَامِ عِيَالِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بَلْ تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُمَكَّنَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ وَالْمُؤَاخَذَاتِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ اسْتِقْرَارِ الْكَفَّارَةِ بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِقْرَارِهَا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ التَّمْرِ فَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِخْرَاجِهِ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي إِطْعَامِ عِيَالِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا وَمُضْطَرًّا إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى عِيَالِهِ فِي الْحَالِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي فَأَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِ عِيَالِهِ وَبَقِيَتِ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُصُولِيِّينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ وَتَأْوِيلَاتٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ وَأَمَّا الْمُجَامِعُ نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ خِلَافٌ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُفْطِرُ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ دَلِيلُنَا أَنَّ الْحَدِيثَ صَحَّ أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُفْطِرُ وَالْجِمَاعُ فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّمَا هِيَ فِي جِمَاعِ الْعَامِدِ وَلِهَذَا قَالَ فِي بَعْضِهَا هَلَكْتُ وفي بعضها احترقت احترقت وهذا لايكون إِلَّا فِي عَامِدٍ فَإِنَّ النَّاسِيَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ
[١١١١] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً) رَقَبَةً مَنْصُوبٌ بَدَلٌ مِنْ مَا قَوْلُهُ (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَرَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرُهُمْ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ وَيُقَالُ لِلْعَرَقِ الزَّبِيلُ بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ غَيْرِ نُونٍ وَالزِّنْبِيلُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَزِيَادَةِ نُونٍ وَيُقَالُ لَهُ الْقُفَّةُ والمكتل بكسر الميم وفتح التاء المثناة فوق والسفيفة بفتح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute