الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ تَفْضِيلُ الصَّوْمِ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مَشَقَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ سَوَاءٌ لِتَعَادُلِ الْأَحَادِيثِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[١١١٣] قَوْلُهُ (خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ) يَعْنِي بِالْفَتْحِ فَتْحَ مَكَّةَ وَكَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهجرة والكديد بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ عَيْنٌ جَارِيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَبْعُ مَرَاحِلَ أَوْ نَحْوُهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ قَرِيبٌ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ عُسْفَانَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْكَدِيدُ عَيْنٌ جَارِيَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ قَالَ وَعُسْفَانُ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بِهَا مِنْبَرٌ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ قَالَ وَالْكَدِيدُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَدِيدٍ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ يُضَافُ إِلَيْهِ هَذَا الْكُرَاعُ وَهُوَ جَبَلٌ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ بِهِ والكراع كُلُّ أَنْفٍ سَالَ مِنْ جَبَلٍ أَوْ حَرَّةٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كُلُّهُ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ قَالَ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِتَقَارُبِهَا وَإِنْ كَانَتْ عُسْفَانُ مُتَبَاعِدَةً شَيْئًا عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَكِنَّهَا كُلَّهَا مُضَافَةٌ إِلَيْهَا وَمِنْ عَمَلِهَا فَاشْتَمَلَ اسْمُ عُسْفَانَ عَلَيْهَا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ عَلِمَ حَالَ النَّاسِ وَمَشَقَّتَهُمْ فِي بَعْضِهَا فَأَفْطَرَ وَأَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي بَعْضِهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا فِي مَسَافَةِ عُسْفَانَ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ وَكُلُّ بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَكُلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ جَائِزَانِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بَعْضَ رَمَضَانَ دُونَ بَعْضٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِصَوْمِ بَعْضِهِ إِتْمَامُهُ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي فَهْمِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَدِيدَ وَكُرَاعَ الْغَمِيمِ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَكُرَاعَ الْغَمِيمِ كَانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ صَائِمًا فَلَمَّا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فِي يَوْمِهِ أَفْطَرَ فِي نَهَارٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute