للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا أَكْثَرُوا الْعِبَادَةَ ثُمَّ فَرَّطُوا فِيهَا فَقَالَ تَعَالَى وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِ صِيَامِ الدَّهْرِ نَظَرًا لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُفَوِّتَ حَقًّا فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرْدِ الصِّيَامِ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمْ يُقِرَّهُ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصِّيَامَ وَكَذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةُ وَخَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ قَدْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لم يقبل الرخصة قالوا فنهى بن عمر وكان لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجَزُ وَأَقَرَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَالثَّالِثَ أَنَّ مَعْنَى لَا صَامَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ مَشَقَّتِهِ مَا يَجِدُهَا غَيْرُهُ فَيَكُونُ خَبَرًا لَا دُعَاءً

[١١٥٩] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>