التَّمَتُّعُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ أَفْضَلُهَا الْقِرَانُ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ قَوْلَانِ آخَرَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الْإِفْرَادِ ثُمَّ التَّمَتُّعِ ثُمَّ الْقِرَانِ وَأَمَّا حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ مَذَاهِبهِمُ السَّابِقَةِ وَكُلُّ طَائِفَةٌ رَجَّحَتْ نَوْعًا وَادَّعَتْ أَنَّ حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا وَقَدِ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ هَلْ كَانَ قَارِنًا أَمْ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رِوَايَاتِهِمْ كَذَلِكَ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا مَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ صَارَ قَارِنًا فَمَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ هُوَ الْأَصْلُ وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ اعْتَمَدَ آخِرَ الْأَمْرِ وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَالِارْتِفَاقُ وَقَدِ ارْتَفَقَ بِالْقِرَانِ كَارْتِفَاقِ الْمُتَمَتِّعِ وَزِيَادَةٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ صَنَّفَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَاصَّةً وَادَّعَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَدِلَّتِهِ وَجَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ فِي تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ رواية جابر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِهِمْ فَأَمَّا جَابِرٌ فَهُوَ أَحْسَنُ الصَّحَابَةِ سِيَاقَةً لِرِوَايَةِ حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِهَا فَهُوَ أضبط لها من غيره وأما بن عُمَرَ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ أَنَسٍ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ كَانَ أَنَسٌ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكْشِفَاتٌ الرُّءُوسَ وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقُرْبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ وَكَذَلِكَ اطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَظَاهِرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ كَثْرَةِ فقهها وعظم فطنتها وأما بن عَبَّاسٍ فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعْرُوفٌ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَتَحَفُّظِهِ أَحْوَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ وَأَخْذُهُ إِيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ دَلَائِلِ تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَوَاظَبُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute