عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِهَا كَمَا سَبَقَ قَوْلُهَا (فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ الَّتِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَفَرُوا مِنْ مِنًى فَنَزَلُوا فِي الْمُحَصَّبِ وَبَاتُوا بِهِ قَوْلُهَا (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ مُقَارِنِينَ لِاسْتِهْلَالِهِ وَكَانَ خُرُوجُهُمْ قَبْلَهُ لِخَمْسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّمَتُّعِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِتَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا مِنْ أَجْلِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّمَتُّعَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ وَقَالَ هَذَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ وَكَانَتْ نُفُوسُهُمْ لَا تَسْمَحُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا فَقَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ وَمَعْنَاهُ مَا يَمْنَعُنِي مِنْ مُوَافَقَتِكُمْ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ إِلَّا سَوْقِي الْهَدْيَ وَلَوْلَاهُ لَوَافَقْتُكُمْ وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ هَذَا الرَّأْيَ وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِي لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا قَوْلُهَا (فَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِخْبَارِهَا عَنْ نَفْسِهَا أَيْ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute