نَحْوِ دُورِ الْجُمَحِيِّينَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ فَالرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ هُمَا الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمَا الْيَمَانِيَانِ لِلتَّغْلِيبِ كَمَا قِيلَ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ الْأَبَوَانِ وَفِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ الْقَمَرَانِ وَفِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْعُمَرَانِ وَفِي الْمَاءِ وَالتَّمْرِ الْأَسْوَدَانِ وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْيَمَانِيَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ هَذِهِ اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهَا لُغَةً أُخْرَى بِالتَّشْدِيدِ فَمَنْ خَفَّفَ قَالَ هَذِهِ نِسْبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ فَالْأَلِفُ عِوَضٌ مِنْ إِحْدَى ياءى النَّسَبِ فَتَبْقَى الْيَاءُ الْأُخْرَى مُخَفَّفَةً وَلَوْ شَدَّدْنَاهَا لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ الْأَلِفُ فِي الْيَمَانِي زَائِدَةٌ وَأَصْلُهُ الْيَمَنِيُّ فَتَبْقَى الْيَاءُ مُشَدَّدَةً وَتَكُونُ الْأَلِفُ زَائِدَةً كَمَا زِيدَتِ النُّونُ فِي صَنْعَانِيٍّ وَرَقَبَانِيٍّ وَنَظَائِرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (يَمْسَحُ) فَمُرَادُهُ يَسْتَلِمُ وَسَبَقَ بَيَانُ الِاسْتِلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُ وَيُقَالُ لَهُمَا الْيَمَانِيَانِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَيُقَالُ لَهُمَا الشَّامِيَّانِ فَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ كَوْنُهُ فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْفَضِيلَتَيْنِ فَلِهَذَا خُصَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بِشَيْئَيْنِ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ لِلْفَضِيلَتَيْنِ وَأَمَّا الْيَمَانِيُ فَيَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَاحِدَةً وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بِاسْتِلَامِهِمَا الْحَسَنُ والحسين ابنا علي وبن الزُّبَيْرِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَجْمَعَتْ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَانْقَرَضَ الْخِلَافُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ) يَحْتَجُّ بِهِ الْجُمْهُورُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute