للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَشَجَرِهَا وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ

[١٣٧٦] قَوْلُهَا (قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ) هِيَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ يَعْنِي ذَاتَ وَبَاءٍ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ الْمَوْتُ الذَّرِيعُ هَذَا أَصْلُهُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْأَرْضِ الْوَخِمَةِ الَّتِي تَكْثُرُ بِهَا الْأَمْرَاضُ لَا سِيَّمَا لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا مُسْتَوْطِنِيهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَدَمُوا عَلَى الْوَبَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْقُدُومَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ لِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ اسْتِيطَانِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْقُدُومُ عَلَى الْوَبَاءِ الذَّرِيعِ وَالطَّاعُونِ وَأَمَّا هَذَا الَّذِي كَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَإِنَّمَا كَانَ وَخَمًا يَمْرَضُ بِسَبَبِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْغُرَبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ كان ساكنوا الجحفة في ذلك الْوَقْتِ يَهُودًا فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالْهَلَاكِ وَفِيهِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ بِالصِّحَّةِ وَطِيبِ بِلَادِهِمْ وَالْبَرَكَةِ فِيهَا وَكَشْفِ الضُّرِّ وَالشَّدَائِدِ عَنْهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ إِنَّ الدُّعَاءَ قَدْحٌ فِي التَّوَكُّلِ وَالرِّضَا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَخِلَافُ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ سَبْقِ الْقَدَرِ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَا يُسْتَجَابُ مِنْهُ إِلَّا مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْجُحْفَةَ مِنْ يَوْمِئِذٍ مُجْتَنَبَةٌ وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ مِنْ مائها الاحم

<<  <  ج: ص:  >  >>