إِلَّا رَجْعِيًّا فَلَا يَنْدَمُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ رُكَانَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً قَالَ اللَّهَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الثَّلَاثَ لَوَقَعْنَ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْلِيفِهِ مَعْنًى وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي رَوَاهَا الْمُخَالِفُونَ أَنَّ رُكَانَةُ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَلَفْظُ أَلْبَتَّةَ مُحْتَمِلٌ لِلْوَاحِدَةِ وَلِلثَّلَاثِ وَلَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ اعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ أَلْبَتَّةَ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ وأما حديث بن عُمَرَ فَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أنه طلقها واحدة وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَابِهِ وَتَأْوِيلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلْقَةٍ لِقِلَّةِ إِرَادَتِهِمُ الِاسْتِئْنَافَ بِذَلِكَ فَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ التَّأْكِيدِ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَغَلَبَ مِنْهُمْ إِرَادَةُ الِاسْتِئْنَافِ بِهَا حُمِلَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ السَّابِقِ إِلَى الْفَهْمِ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَصَارَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً فَنَفَذَهُ عُمَرُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِخْبَارًا عَنِ اخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ لَا عَنْ تَغَيُّرِ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ زَعَمَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْحَقَائِقِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْسَخُ وَلَوْ نَسَخَ وَحَاشَاهُ لَبَادَرَتِ الصَّحَابَةُ إِلَى إِنْكَارِهِ وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ نُسِخَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَلَكِنْ يَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاوِي أَنْ يُخْبِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute