قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْغَيْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَأَصْلُهَا الْمَنْعُ وَالرَّجُلُ غَيُورٌ عَلَى أَهْلِهِ أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَلُّقِ بِأَجْنَبِيٍّ بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَيْرَةُ صِفَةُ كَمَالٍ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ سَعْدًا غَيُورٌ وَأَنَّهُ أَغْيَرُ مِنْهُ وَأَنَّ اللَّهَ أَغْيَرُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنَّهَا مَنْعُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنَ الْفَوَاحِشِ لَكِنِ الْغَيْرَةُ فِي حَقِّ النَّاسِ يُقَارِنُهَا تَغَيُّرُ حَالِ الْإِنْسَانِ وَانْزِعَاجِهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي غَيْرَةِ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لَا أَحَدَ وَإِنَّمَا قَالَ لَا شَخْصَ اسْتِعَارَةً وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِشَخْصٍ أَنْ يَكُونَ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ الْإِنْسَانُ بِمُعَامَلَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ بَلْ حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَمْهَلَهُمْ فَكَذَا يَنْبَغِي للعبد أن لا يُبَادِرَ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ عَاجَلَهُمْ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا شَخْصَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلَا شَخْصَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ) مَعْنَى الْأَوَّلِ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْأَعْذَارُ مِنَ اللَّهِ تعالى فالعذر هنا بِمَعْنَى الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ قَبْلَ أَخْذِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا كنا معذبين حتى نبعث رسولا وَالْمِدْحَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَدْحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَإِذَا ثَبَتَتِ الْهَاءُ كُسِرَتِ الْمِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute