الثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشْتَرِيهَا وَاعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا اشْتَرَتْهَا وَشَرَطَتْ لَهُمُ الْوَلَاءَ وَهَذَا الشَّرْطُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا خَدَعَتِ الْبَائِعِينَ وَشَرَطَتْ لَهُمْ مالا يَصِحُّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ وَكَيْفَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي هَذَا وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ يَحْيَى بن أكثم واستدل بسقوط هذه اللَّفْظَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فقال بعضهم بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ اشْتَرِطِي لَهُمْ أَيْ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُمُ اللَّعْنَةُ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها أَيْ فَعَلَيْهَا وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ هَذَا التَّأْوِيلِ لَمْ يُنْكِرْهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَقِيلَ مَعْنَى اشْتَرِطِي لهم الولاء أظهرى لهم حكم الولاء وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان بين لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يحل فلما ألحول فِي اشْتِرَاطِهِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ قَالَ لِعَائِشَةَ هَذَا بمعنى لا تبالى سواء شركته أَمْ لَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ فَعَلَى هَذَا بمعنى لَا تَكُونُ لَفْظَةُ اشْتَرِطِي هُنَا لِلْإِبَاحَةِ وَالْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ وَاحْتَمَلَ هَذَا الْإِذْنَ وَإِبْطَالَهُ فِي هذه القصة الخاصة وهي قصية عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إِذْنِهِ ثُمَّ إِبْطَالِهِ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مِثْلِهِ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ وَجَعْلِهِ عُمْرَةً بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ تُحْتَمَلُ الْمَفْسَدَةُ الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَرِثُ بِهِ وَأَمَّا الْعَتِيقُ فَلَا يَرِثُ سَيِّدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرِثُهُ كَعَكْسِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أُسْلِمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا لِمُلْتَقِطٍ وَلَا لِمَنْ حَالَفَ انسانا على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute