للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>