للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستقاءة لايمنع كَوْنَهَا مُسْتَحَبَّةً فَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ مَنْعَ الِاسْتِحْبَابِ فهو مجازف لايلتفت إِلَيْهِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَيْفَ تُتْرَكُ هَذِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ بِالتَّوَهُّمَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالتُّرَّهَاتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الِاسْتِقَاءَةُ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا وَذِكْرُ النَّاسِي فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْقَاصِدَ يُخَالِفُهُ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِهِ النَّاسِي وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَالْعَامِدُ الْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ أولى وهذا واضح لاشك فيه لاسيما عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رقبة لايمنع وُجُوبَهَا عَلَى الْعَامِدِ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ وَأَلْفَاظِهِ فَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ بَصْرِيُّونَ كُلُّهُمْ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ هَدَّابًا يُقَالُ فِيهِ هُدْبَةُ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا وَسَعِيدٌ هَذَا هو بن أبى عروبة وَقَوْلُهُ (قَالَ قَتَادَةُ قُلْنَا يَعْنِي لِأَنَسٍ فَالْأَكْلُ قَالَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ أَشَرُّ بِالْأَلِفِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْعَرَبِيَّةِ شَرٌّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَكَذَلِكَ خَيْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْحَابُ الجنة يومئذ خير مستقرا وَقَالَ تَعَالَى فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَلَكِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَقَعَتْ هُنَا عَلَى الشَّكِّ فانه قال أشر وأخبث فَشَكَّ قَتَادَةُ فِي أَنَّ أَنَسًا قَالَ أَشَرُّ أَوْ قَالَ أَخْبَثُ فَلَا يَثْبُتُ عَنْ أَنَسٍ أشر بهذه الرواية فان جائت هذه اللفظة بلاشك وَثَبَتَتْ عَنْ أَنَسٍ فَهُوَ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ فَهِيَ لُغَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ مما لايكون مَعْرُوفًا عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَجَارِيًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَقَدْ صحت به الأحاديث فلاينبغى رَدُّهُ إِذَا ثَبَتَ بَلْ يُقَالُ هَذِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّحْوِيِّينَ لَمْ يُحِيطُوا إِحَاطَةً قَطْعِيَّةً بِجَمِيعِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلِهَذَا يَمْنَعُ بَعْضُهُمْ مَا يَنْقُلُهُ غيره

<<  <  ج: ص:  >  >>