الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ فِيهِمْ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَحَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ
[٢٦٥٩] وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وَلَا! يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَوْلُودِ التَّكْلِيفِ وَيَلْزَمُهُ قَوْلُ الرَّسُولِ حَتَّى يَبْلُغَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فقال المازري قيل هي ما أخذ عليهم فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَنَّ الْوِلَادَةَ تَقَعُ عَلَيْهَا حتى يحصل التغيير بِالْأَبَوَيْنِ وَقِيلَ هِيَ مَا قُضِي عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ يَصِيرُ إِلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ ما هئ لَهُ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ لَمْ يَرِثْهُمَا وَلَمْ يَرِثَاهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُمَا كَافِرَانِ وَلَمَا جَازَ أن يسبى فَلَمَّا فُرِضَتِ الْفَرَائِضُ وَتَقَرَّرَتِ السُّنَنُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى دِينِهِمَا وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ يُولَدُ عَلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا وُلِدَ عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ يُولَدُ إِلَّا وَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَإِنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ أَوْ عَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُتَهَيِّئًا لِلْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهَذَا مَعْنَى يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ أَيْ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الدُّنْيَا فَإِنْ بَلَغَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ وَدِينِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ سَبَقَتْ لَهُ سَعَادَةٌ أَسْلَمَ وَإِلَّا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَمِ النَّارِ أَمْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ فَفِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا الْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَحَقِيقَةُ لَفْظِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ بَلَغُوا وَلَمْ يَبْلُغُوا إِذِ التَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْبُلُوغِ وَأَمَّا غُلَامُ الْخَضِرِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ قَطْعًا لِأَنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُسْلِمًا فَيَتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا لَا أَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْحَالِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute