للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الْآيَةَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ وَقِيلَ الْأَمْرُ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى النَّدْبِ وَقِيلَ بَلْ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا لِمَنْ أَحْدَثَ وَلَكِنَّ تَجْدِيدَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُسْتَحَبٌّ وَعَلَى هَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافٌ وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ إِذَا كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُوجِبِ لِلْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إِلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ بِالْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْ صَلَّى مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَا يَكْفُرُ عِنْدنَا وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَكْفُرُ لِتَلَاعُبِهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْكُفْرَ لِلِاعْتِقَادِ وَهَذَا الْمُصَلِّي اعْتِقَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي مُحْدِثًا عُذْرٌ أَمَّا الْمَعْذُورُ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ مَذَاهِبُ لِلْعُلَمَاءِ قَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَائِلُونَ أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الطَّهَارَةِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أن يصلي ويحب الْقَضَاءُ وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالرَّابِعُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ كُلُّ صَلَاةٍ أُمِرَ بِفِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذا أحدث حتى يتوضأ فمعناه حَتَّى يَتَطَهَّرَ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ فهو بضم الغين والغلول الْخِيَانَةُ وَأَصْلُهُ السَّرِقَةُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ القسمة وأما قول بن عامر ادع لى فقال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَكُنْتُ عَلَى الْبَصْرَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّكَ لَسْتَ بِسَالِمٍ مِنَ الْغُلُولِ فَقَدْ كُنْتَ وَالِيًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>