وأصعب من ذلك كله مَن يأتيك من الكُبَراء والفُضَلاء أو ممن أنت معترف بحقهم أو مضطر إلى إرضائهم، فيسألك أن تُعِدّ له خطبة أو مقالة أو محاضرة في موضوع كذا ... ويشرح لك فكرته، وقد تكون سخيفة أو رَقيعة أو فاسدة، وعليك أن تتبناها وتكون أباً مزوّراً لها وتسخّر لها أسلوبك وبلاغتك، ثم تقرؤها له وتتحمّل ملاحظاته وانتقاداته، ثم تشكلها وتعلّمه قراءتها وإلقاءها، ثم تجيء بعد إلقائها فتهنّئه عليها مع المهنّئين!
والقرّاء! هل تسمع يا أيها الأخ؟ القراء أشد على الكاتب من المطبعة ومن الناشرين. إنْ جَدَدْتَ لهم، قالوا: إلى متى الجِدّ؟ ألا شيء من هَزْل؟ ألا قليل من إحماض؟ وإن هزلت لهم قالوا: ما هذا العبث، وما هذا الكلام الفارغ من المعنى؟ ألا جددت ونحن في أيام جِدّ وجهاد؟
وإن سلكت بهم سبل العاطفة ووصفت لهم عواطف القلب وصبوات النفس، قالوا: يا لله، ويا للأخلاق! أمثلك يكتب في مثل هذا؟ دَعْ هذا للشبّان المراهقين وتفرّغْ لما ينفع الناس ويُصلح المجتمع. وإن أنت تفرغت لما ينفع الناس ويصلح المجتمع قالوا: ما هذا؟ أهذا أدب؟ هذا وعظ! إنما الأدب وصف صبوات النفس وعواطف القلب!
* * *
= العرب «الفاضحة»؛ تركت بني نُمَير ينتسبون في البصرة إلى عامر بن صَعْصَعة ويتجاوزون أباهم نُميراً إلى أبيه، هرباً من ذكر نمير وفراراً مما وُسِم به من الفضيحة والوصمة (مجاهد).