وكيف أنسى ما أضعت على نفسي من خير، وما عرض لي من فرص فما افترصتها؟
إن من رفاقي في كلية الحقوق مَنْ هو اليوم من كبار المحامين الذين يشار إليهم، ومن ينال على وقفة واحدة في المحكمة مئة جنيه في دمشق الفقيرة، فلماذا أعرضت عن المحاماة لم أشتغل بها وأقبلت على مهنة آخذ فيها خمسة جنيهات على مئة درس ألقيها على أربعين طالباً، يحتاج إسكاتهم وضبطهم إلى شرطيين مسلحَين بالبنادق الرشاشة؟!
وإن من رفاقي في الثانوية مَنْ هو اليوم ناظر ثانوية كبيرة، وأنا أستاذ معاون، فلماذا درست الحقوق إذا كانت الوزارة لا تعرف أقدار الرجال إلاّ بما يحملون من شهادات الاختصاص، وكان صاحب الليسانس في الحقوق لا يعد أديباً في نظرها ولو كان شوقي زمانه، أو رافعي أوانه، وترى صاحب الليسانس في الأدب أديباً ولو كان أعيا من باقل وأجهل من جاهل؟!
وكيف أنسى أني كنت من عشر سنين أقود طلاب دمشق كلهم وأغامر بهم في ميادين السياسة، وأني لو شئت لكنت نائباً من زمن طويل؟ إن الناس لم ينسوا ذلك فكيف أنساه أنا؟ إنهم يعلمون أن في قميصي خطيباً ما يقوم له أحد في باب الارتجال والإثارة وإيقاظ الهمم وصب الحمم، ولكن من الناس من يعقل الحسد ألسنتهم عن شهادة الحق.
أستغفر الله؛ فما أحب الفخر، ولكني اضطررت فقلت. وهل أسكت إذا سكت الناس عن بيان حقي؟