يسألني كثير من الإخوان: كيف وجدت القضاء؟ إني وجدت القضاء راحةَ جسم وتعبَ بال، وعلوَّ منزلة وقلةَ مال، واكتسابَ علم وازديادَ أعداء، وحملاً كبيراً نسأل الله السلامة من سوء عاقبته.
أما أنه «راحة جسم» فذلك أني كنت في التعليم أتكلم ولا أسمع، فصرت الآن أسمع أكثر مما أتكلم. وكنت لا أقدر على السكوت لأني إن سكتّ تكلم العفاريت (أعني التلاميذ)، حتى إنه ربما أصابني أحياناً أذى في حلقي فجعلني أغصّ بالماء الزلال وأشرق بالريق وأجد للكلمة الواحدة أنطق بها مثل حزّة السكين، ثم لا أستطيع الصمت دقيقة لئلا يفلت من يدي طرف السّلكة فينفرط العقد ويبطل النظام. وكنت أدخل الصف (الفصل) وأخرج منه خمس مرات أو ستاً في اليوم ولا أقعد على كرسي، لئلا يرى الشيطان مني غفلة فيعطس في مناخر التلاميذ فيحدثوا في الفصل حدثاً، ويا ما أكثر أحداثهم! وأيسرُها ضجة كضجة حمّام انقطع ماؤه (كما يقول الشاميون في أمثالهم العامية). ثم إذا خرجت من الصف لأستريح راحة ما بين الدرسين (الحصتين)