ما من كلمة هي أثقل على أذن السامع وأبغض إليه من كلمة «أنا»، وما حديث أكره إلى الناس من حديث المرء عن نفسه. بيد أني متحدث الليلة عن نفسي وقائل «أنا» وجاعلها عنوان مقالتي، لأني منفرد بنفسي لا أجد معي من أتحدث عنه إلاّ «أنا».
أنا حين أتحدث عن نفسي أتحدث عن كل نفس، وحين أصف شعور واحد وعواطفه أصف شعور الناس كلهم وعواطفهم؛ كصاحب التشريح لا يشق الصدور جميعاً ليعرف مكان القلب وصفته، ولكنه يشق الصدر والصدرين، ثم يقعّد القاعدة ويؤصّل الأصل فلا يشذّ عنه إنسان ... سنةَ الله في الخلق وقانونه المحكم، ونظامه العجيب الذي جعل الناس مختلفين وهم متشابهون، ومتشابهين وهم مختلفون، وبَرَأهم على الوحدة في الحقيقة والتنوّع في الجمال، فخلق العيون كلها خلقاً واحداً، كل عين ككل عين في تركيبها ووضعها وصفتها، وما عينٌ مثلُ عينٍ في شكلها ومعناها وجمالها.