[بين يدي الآن رسائل من بيروت وحمص وبغداد والإسكندرية وأم درمان، من إخوان كرام ما كان لي شرف الاتصال بهم، كلهم يسألني لِمَ لا أكتب في الرسالة في هذه الأيام، ويشفق أن تكون الأرزاء قد هدت ركني وكسرت قناتي ... فكتبت هذا الفصل هدية إليهم وجواباً.]
أعترف أنها قد جفّتْ قريحتي فما تبضّ بقطرة، وكلَّ ذهني ومات خيالي، ومرّتْ عليّ أيام طوال لم أستطع أن أخط فيها حرفاً، وعدت -من العيّ والحصر- كأول عهدي بصناعة الإنشاء، وأصبحت وكأني لم أكن حليف القلم وصديق الصحف، وكأني لم أجرِ للبلاغة في مضمار ... وما أدري أأبرأني الله من حرفة الأدب التي ابتلاني بها وابتلاها بي، أم هي سكتة عارضة وعُقلة مؤقتة كالذي يعرض للشعراء والكتاب، ثم تزول السكتة وينطلق اللسان ويعود أحدَّ مما كان؟ وما أدري أَعلّة ذلك الزواج (وقد قالوا إن زواج الأديب يؤذيه وتغور منه ينابيع فكره)، أم هي الرزايا والآلام، وما يغيظ الأديب من انحراف الأمور عن صراطها، وتقدم مَن حقُّه التأخر وتأخر من يستأهل التقدم، وضياع الحقوق وغلبة