قلت لصديق لي أديب: إني لأقرأ لك منذ عشر سنوات، فما رأيتك أسففتَ إسفافك في هذه الأيام، وإني لأشك: أأنت تكتب ما تكتبه أم يجري به قلمك وأنت نائم، فتأخذه فتضع عليه اسمك؟ فماذا عراك أيها الصديق فأضاع بلاغتك ومحا آيتك؟
قال: دعني يا فلان، دعني؛ فإن سراج حياتي يخبو وشمعتي تذوب، وما إخالني إلاّ ميتاً عما قريب أو دائراً في الأسواق مجنوناً. إنني انتهيت، بعت رأسي وقلبي برغيف من الخبز.
قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك، فلقد والله أرعبتني.
قال: وماذا بي إلاّ أني معلم. إني معلم في مدرسة ابتدائية، نهاري نهار المجانين وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر ومتى أكتب؟ وأنا أروح العشية إلى بيتي مهدود الجسم، مصدوع الرأس، جاف الحلق، فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مئة حماقة، وأصحح مئة كراسة، فأعمي عيني بقراءتها والإشارة إلى خطئها، وبيان صوابها وتقدير درجاتها، فإذا انتهيت من هذا كله (ولا يقرأ تلميذ من كل