[وهي سلسلة كنت أنشرها في «ألف باء» سنة ١٩٣٣، لم يبقَ لديّ منها إلاّ هذه الرسالة ورسالة أخرى، وقد ضاع سائرها فيما ضاع من مقالاتي.]
إلى صديقي (فلان):
لست أدري من أين أبدأ أحاديثي الكثيرة التي سأصبّها في هذه الرسالة صباً؟ وأخشى أن أبعث بها إليك مهوّشة مضطربة قد تَداخلَ بعضها في بعض، فلا تفقه منها شيئاً. وأنا -كما عهدتني قبل أن تأخذ طريقك إلى مَصِيفك هذا الجميل الذي تنعم فيه وكما يعهدني أصدقائي جميعاً- رجل فوضى واضطراب، أغدو ولي وجهة أنا موليها وعمل أريد أن أذهب إليه، فلا أبعد حتى تحملني موجة من موجات الحياة إلى غير ما قصدت ... وما لي أحدثك عني قبل أن أسألك: كيف أنت؟ وهل أنت ساكن إلى حياتك في هذا المَغْنى الوادع، قانع من الدنيا بجلسة على صخرة «بقّين» والسهل تحت قدميك كأنه بساط من السندس، لولا أنه يفيض بالحياة فهو أسمى وأبهى ... أم أنت متبرّم بهذه العزلة تَحِنُّ إلى صخب المدينة وضوضائها؟ وهل الطبيعة -كما يقولون- كائن حي له كآبته وبهاؤه