نزعت رجلي من الركاب، وطردت من ذهني همَّ السفر، ونفضت ما علق بذاكرتي من غبار الحاضر ثم نفذت إلى ما احتوت من كنوز الماضي من معجزات البطولة والنبل، من تاريخنا الواقع الذي لا يصل إليه خيال غيرنا ولا يتعلق به وهمهم، وحاولت أن أكتب للعدد الممتاز من الرسالة. فما سرت في الفصل غيرَ بعيد حتى تباطأ قلمي، ثم تعثر، ثم توقف ... وأحسست في نفسي بهذا الضيق الذي ما انفكّ يلازمني منذ أكثر من عشر سنين، فيطفئ وَقدة حماستي ويعقل نشاطي ويغلق أبواب الإلهام دوني، فلا أكتب ما أكتب إلاّ لملء الفراغ وتَزجية الوقت، كالذي يمشي العشيةَ يجر نفسه جراً، لا يسوقه مقصد ولا تجذبه غاية.
ونظرت فإذا أنا بعد شهرين أُتمّ الأربعين ... أربعين سنة قمرية درت فيها مع الفلك وسايرت الشمس، واستقبلت السنين ثم ودعتها كما استقبلتُها، واستولدت الآمال ثم دفنتها كما استولدتُها، ورأيت أفراحاً ورأيت أتراحاً، وصادقت وعاديت وأحسنت وأسأت، فما الذي خرجت به من ذلك كله؟
لقد قطعت في هذه السنين الأربعين أكثرَ الطريق، ولكن لم