كان هنا شاعر لم يعرفه الناس حتى عرّفتهم به هدآتُ الأسحار؛ إذ كان يطوف فيها على مرابع حيّه، يغنيها على ربابه أعذب ألحانه وأشجى أغانيه، وكان ينادي الليلَ الراحل بأرقّ أسمائه فيلتفت الليل ويقف لحظة يصغي إليه، والفجرَ يستحثّه على الرحيل، وتنصت إليه قلوب العاشقين، فإن غنى بـ «يا ليل» هاج بها الشجن فأجابت من لوعتها بـ «آه ...»، ويعرفه القمر لأنه كان يسكب في نوره ألحانه، فتطفو على وجه النور، ثم تسيل من رقتها فيه وتمتزج به امتزاج الخمرة بالماء، فيشرب فيه أرباب القلوب خمرة نورانية تهيج في نفوسهم سكر الحب الطاهر والعاطفة الخيّرة .... وعرَّفتهم به الضمائر المؤمنة، إذ كان يهتف بها مع الفجر بالنشيد العلوي الذي يوقظ في نفس الإنسان الذي يسمعه «المَلَك»، فإذا استيقظ فيه المَلَك خنس «الشيطان» واستخذى «السبع»، فتعرف بنشيده لذة الإيمان، وما في الأرض لذة كلذة الإيمان ... شاعر لم يكن يعرف فضلاً (١)