إليّ ثقتي بالحب واطمئناني إلى الكتب وسكوني إلى النّاس؟
كنت أرى الحب أساس الحياة؛ عليه قام الكون وبه استمر الوجود، وكنت أؤمن به، فغدوت لا أؤمن إلا بالبغض، وصرت أحب أن أبغض وأبغض أن أحب! فمن يدلني على مصنَّف في أساليب البغض حتى أتقنها وأفهمها، فأبغض الناس كلهم؟ أبلَغَ الجفاف في القرائح والجدب في العقول ألاّ يصنَّف كتاب واحد في «البغضاء»، وقد ألف السخفاء ألف ألف كتاب في الحب؟!
لا، بل من يرشدني إلى الفرار من مهنة الأدب والتخلص من الحب والبغض والعواطف كلها؟ مَن يحسن إليّ فيدعو لي بظهر الغيب أن يصحّح الله عزيمتي على ترك الأدب، أو ينقص من شقائي به؟ لقد أُعطيت عدة الأديب، ولكنّ الناس آذوني حتى أهملت عدتي فأسلمتها إلى الصدأ، فأكلها، ففنيت غيرَ مأسوف عليها! لا يأسف الناس لأنهم هم الأُلى أفنوها، ولا آسف أنا لأني لم أنل منها خيراً.
فلا يغضب القراء إذا أنا ودّعت الأدب بالتحدث عن نفسي؛ فإني أرثيها قبل موتها، أرثي مواهبي المعطلة! لقد متّ، فدعوني لا تؤذوني بالانتقاد البارد، اذكروا محاسن موتاكم، وإذا لم تكن لهم محاسن فعفّوا عن ذكر مساويهم.
ولا تَنْفُسوا على أخيكم «زفرة» يزيح بها عن صدره هماً ثقيلاً!