أنا رجل يتصورني القراء من بعيد «شيئاً» أكبر من حقيقتي، فلماذا أفضح نفسي عندهم؟ وعمَّ أتحدث إليهم، والأحاديث كثيرة، وما حدث لي يملأ كتباً؟
ثم قلت: لماذا لا أتحدث عن هذا ... عن حقيقتي في نفسي وصورتي عند القراء؟ ولي في هذا الباب طرائف عجيبة. وأنا أكتب من أكثر من عشرين سنة في جرائد الشام ومجلات مصر ولبنان كتابة شيخ مكتهل، فكان القراء يحسبونني شيخاً أشيَب الشعر محنيّ الظهر يدبُّ دبيباً، وعلى وجهه من كتابة الأيام والتجارب سطور من «الأخاديد» فوق سطور. وما كنت أحب أن أذيع هذه الطرائف لأنها لا تنفع السامعين وإن كانت قد تلذّ لهم، ولكن المحطة أرادت أن أحدّث المستمعين عن بعض ما حدث لي، مضحِكاً كان أم غير مضحك. ولا بأس فالضحك ينفع الجسم ويدفع الدم ويزيد الشهية، أما المصيبة فأن تجيء النكتة باردة لا تضحك، أو أن أكون ثقيلاً يتخفف. والثقيل إذا تخفّف صار طاعوناً ... والعياذ بالله.