أنا -يا سادتي القراء الكرام- ليسانسيه في الحقوق من أربعة أيام فقط، وقد اتخذت لهذه الشهادة الجميلة الكبيرة المزينة بعشرة أختام وتوقيعات لأصحاب الفخامة والدولة والمعالي وما لست أدري ماذا: رئيسَي الجمهورية والوزارة ومندوب العميد ورئيسَي الجامعة والمعهد ... والداعي، الفقير إليه تعالى حامل الشهادة! اتخذت لها إطاراً جميلاً ثميناً حصلت عليه بوسيلة من الوسائل لا أحب أن أكشف سرها للقراء، ولكن لهم أن يثقوا أني لم أنفق فيها قرشاً واحداً، وعلقتها في داري في الغرفة التي كان يجب أن تكون غرفة استقبال وأن تكون منظمة مرتبة لا كما هي الآن: يضلّ الداخل إليها بين آكام الكتب المنتشرة فيها، والتي تدور أبداً كما تدور تلال الصحراء الكبرى وينقلب عاليها سافلها كلما فتشت عن كتاب، علّقتها هناك إلى جانب أخواتها البكالوريا والكفاءة (١) والابتدائية ... ووقفت سبعاً وسبعين دقيقة خاضعاً أمامها خاشعاً،
(١) «الكفاءة» لا معنى لها هنا، فسمّوها شهادة «الكفاية» إن لم يكن بد من هذا اللفظ.